Светлой памяти Нины Макаровны Чередеевой-


ًوَاليَمينُ أَضحَت إيماناً

مع بزوغ فجر البشرية، انطلقت من ألسنة أجدادنا ألفاظ تطورت دلالاتها بتطور مداركهم حتى خلفت مفاهيم ظاهرها متزاحم لكن باطنها متلاحم. أبلغ دليل على ذلك التلاحم لفظ يمين – اليد التي بها نأكل، نفلح، نخيط، نكتب، نرسم، ننحت ونبني. كان أجدادنا يستيقظون فجرا فيقابلون الشمس قبلتهم الأم، يقبلون عليها، يستقبلونها، ينحنون قبالتها، يسألونها قبول شكرهم فتتقبله، ثم يتقابلون متفائلين فيقبّل أحدهم الآخر. كانت وجوههم دائمة التوجه صوب جهتها، راصدة وجهتها، سالكة اتجاهها، متبعة توجيهها، متهيبة مواجهتها. بذراعين مفتوحتين شرقا ينظرون، يمينهم تشير جنوبا، أول جنب تتجلى الظهيرة فيه ظهرا، في ظاهرة تشع يمنا يولد تيمنا يستتبع أمنا يستحيل أمانا ينتهي بإيمان. طائرهم ميمون، فهم بيمينهم يقسمون يمينهم، وإن غربت شمسهم استغربوا فسكنتهم الغربة حتى تصحو فيعود الصحو ومعه الصحة. وحده الشماس يعرف الشمس!

الإيمان بالسريانية ܗܝܡܢܘܬܐ [هَيْمَنُوتوٰ]، من ܗܝܡܢ [هَيمَنْ] ’آمَنَ‘، حرفيا ’لزم اليمين‘، جهة الجنوب عرش الشمس وأوج إشعاعها. أغريب بعد ذلك أن يسمى الجنوب في أعرق لغات أوروبا، الباسكية، egoaldea (من -egu ’شمس‘ + alde ’جنب‘)، في التركية güney (من gün ’شمس‘ + ey ’جنب‘) وفي الإنكليزية south (من الجرمانية -sunþrą، من -sun ’شمس‘+ -þrą ’جنب‘)، أم تراها صدفة أن يسمى ’نور العالم‘ في الرومانية lumina lumii، في السلوفاكية svetlo sveta وفي المجرية világ világossága ؟ ما دامت العبرية אֵין כָּל חָדָשׁ תַּחַת הַשָּׁמֶשׁ [إيٰن كُـٰل حَـٰدَٰش تَحَت هَشَٰمِٰش] تعني ’لا جديد تحت الشمس‘، لا غرابة (كون الغرب جهة الغروب مصدر الاستغراب) في أن تنبثق الحقيقة الباسكية egia من الشمس egu(zkia)، والحقيقة التركية doğru (أصل دغري) من الشرق doğu والحقيقة السلافية pravda من اليمين pravo، المشتقة أصلا من pra التي تفيد العراقة، شقيقة البادئة اللاتينية pre التي تأتي قبل الأسماء والأفعال، كون القبلة أصل الإقبال والاستقبال والقبول والتقبل والمقابلة. فالجنوب لا يعدو كونه امتدادا للشرق، بدليل صلة الرحم بين الجنوب السلافي юг [jug] والفجر اليوناني αυγή [augē]، حيث الفجر – واللاتينية شقيقة الاثنتين – مصدر النمو (augmentum)، والسمو (augustus) والتفاؤل (augur)، وإلا ما عبر الإيطاليون عن تمنياتهم بلفظ auguri. ولنا في نصوص التوراة (צָפ֣וֹן וְ֭יָמִין אַתָּ֣ה בְרָאתָ֑ם [صاپوٰن وَيٰمِين أَتَّا بْراتام] ’الشَمالَ والجَنوبَ أَنتَ خلقتَهُما‘)، والإنجيل (ܘܡܳܐ ܕ݁ܢܳܫܒ݁ܳܐ ܬ݁ܰܝܡܢܳܐ ܐܳܡܪܺܝܢ ܐܢ݈ܬ݁ܽܘܢ ܚܽܘܡܳܐ ܗܳܘܶܐ ܘܗܳܘܶܐ [وموٰ دنوٰشبوٰ تَيمنوٰ أوٰمرين أنتون حَوموٰ هوٰويٰ وهوٰويٰ] ’وَعِنْدَمَا تَهُبُّ رِيحُ الجَنُوبِ تَقُولُونَ سَيَكُونُ حَرٌّ وَهكَذَا يَكُونُ‘) والقرآن (وَأَصْحَابُ اليَمينِ ما أَصْحَابُ اليَمين) أسطع دليل على أثر الوعي الكوني في تشكيل اللاوعي اللغوي، حيث تُتوارث الألفاظ في إطار معادلة رياضية فائقة الدقة لا قدرة لقوة في الأرض على زعزعة منطقها الأزلي أو زلزلة أي من دلالاتها الأصلية!

✉️-ilv@inlinguaveritas.org
-This site owes its conception to Sarah Frantz-
-Ce site doit sa naissance à Elian Carsenat--